منهجية التعليق على قرار | أ. محمد كمال شرف الدين

 كثيرا ما يقترح على الطلبة القيام بتعليق على قرار. وهذا النوع من التمارين يتطلب مهارة في التحليل وسلامة في المنطق والأسلوب فضلا عن المعلومات الثابتة وهو يشكل لكل هذا طريقة مثلى في التدرب على الإستدلال القانوني. كما أنه يعود على إستخلاص الدروس من فقه القضاء.


و من جملة الأحكام التي تصدرها محاكم النظام العدلي لا نخصص تسمية "القرار" إلا لما صدر منها عن محكمة التعقيب أو محاكم الإستئناف في حين نبقى على التسمية العامة بالنسبة لما يصدر عن المحاكم الأخرى. كما نسمي أذون الأعمال القضائية الناتجة عن تدخل حاكم فردي.

ولذا كان من المفروض أن نتحدث عن التعليق على قرار وعلى حكم وعلى إذن ولكن جرى العمل على إستعمال عبارة تعليق على قرار مهما كانت طبيعة الحكم موضوع هذا التمرين وسنتبع هذه العادة لما فيها من الإقتصار مع الإشارة الى أنه لا يجب أن تكون هذه العادة حافزا للطلبة للإستغناء عن دقة المصطلحات. إذا مالم يكن الحكم المعروض عليهم قرارا فيتعين عليهم إستعمال التسمية المناسبة.

و سنتولى على التوالي عرض الخاصيات العامة للتعليق على قرار و المراحل الواجب إتباعها في القيام بمثل هذا التمرين.


  • الخاصيات العامة للتعليق على قرار


1. خاصيات التعليق عل قرار

يتمثل التعليق على قرار في تفسير حل تأتي به المحكمة لمشكلة عرضت عليها كما يتمثل في تقييم هذا الحل. ويتسلط النقاش خاصة على الجانب القانوني للمشاكل.

وهذا التمرين يشبه الملاحظات التي ينشرها الأساتذة أو رجال التطبيق في المجالات المتخصصة في فقه القضاء. ولكنه يختلف عنها في كونه يتناول كل محتوى من الحكم في أن أصحاب الملاحظات يمكنهم الإقتصار على بعض المسائل التي يختارون معالجتها دون سواها.

هناك عقبتان يجب التحفظ منها :السلخ ‎paraphrase‏ ها الذي لا يأتي بشيء يذكر ومجرد العرض النظري الذي يكون في عزلة تامة عن نص الحكم.


2. غايات التعليق

المطلوب هو تفسير وتقييم حل تأتي به محكمة لمسألة قانونية تعرض عليها. وهكذا بيرز الطالب مؤهلاته ومعلوماته.

+  يتوقف تفسير الحكم على فهمه فهما تاما. ولكن قل ما يتمكن القرائ المتبدئ من الوقوف مباشرة على معنى حكم معين فاقتضاب الاسلوب القضائي وإستعمال المصطلحات الفنية الدقيقة يفرضان تفكرا معمقا للوصول الى الفهم المرغوب وبهذا يتعين: على الطالب بذل جهد تحليلي.

نقطة البدابة هي وجود قضية ما فيجب فهم ها حدث فهما تاما حتى يتسنى إفهامه لقارئ التعليق : من أين إنطلق النزاع,. كيف تدخلت المحكمة ولصالح من ؟ ولكن لا يجب التوقف كثيرا عند هذا الجانب الاسطوري بل يتعين خاصة تفسير الإستدلال والإستقراء SYLLOGISME القانوني الذي إتبعه الحكام. إذ دعت بهم الحاجة الى إنتقاء قاعدة قانونية إنطلاقا من الوقائع ثم الى تطبيق هذه القاعدة للخروج بالنتائج الأزمة. وهذه هي العملية التي يجب تحليلها بكل عناية.

وهذا التفسير المرغوب يتمثل إذن في إبراز الطريقة التي توخاها الحكام لتكييف الوقائع ومعنى ذلك كيف توصلوا الى إيراز خصوصيات بعض الاصناف Catalogories القانونية كيف إختاروا من بين كل القواعد القانونية تلك التي تتلاءم مع الوقائع، كيف أولوا عند الإقتضاء القاعدة التي وقع عليها الإختيار قصد تمديد معناها وأخيرا كيف تمكنوا من حل المنشكلة بتطبيق هذه القاعدة.

ولكن مهمة المعلق لاتقف عند هذا الحد بل تتعداه الى تقييم الحكم ويمكن. أن يتم هذا التقييم من عدة أوجه.

- هل يتفق الحل من العدالة؟ هلا يضر الذوق السليم والأخلاق فوز متقاض هو أكثر مهارة منه... إستقامة ؟

- هل يستقيم الإستدلال القانوني ؟ هل يقبل تأويل النص بالرجوع إلى عبارته وروحه ؟ هل طبق الحاكم القاعدة المناسبة؟ لم ينسوا قاعدة أخرى هي أكثر ملاءمة ؟ هل كان تسليم الأفكار منطقيا ؟

لطرح هذه الأسئلة والإجابة عنها يجب مقارنة الحل الذي أتى به الحكم مع الحل الذي كنا لنهتدي له نحن أنفسنا لو طلب منا حسم التزاع . ولهذا يتعين علينا معرفة القواعد القانونية الممكنة التطبيق كما يتعين علينا التفكير في الكيفية التي يمكن أن تترابط بها منطقيا للتوصّل الى حل مشكلة ممثلة الى المشكلة التي وقع خسعمها في القضية. وهذه نقطة هامة في التعليق لأنه يجب على الطالب أن يقابل معلوماته النظرية بالتطبيق الملموس للقانون من طرف الحكام.

- هل الطريقة التي أولت بها القاعدة القانونية وطبقت بها هي طريقة جديدة ؟ هل يمكن أن نتوقع إعادة لهذه الطريقة بمناسبة وقائع‏ أخرى تكون مختلفة بعض الإختلاف وبعبارة أخرى هل يساهم الحكم المعلق عليه في تطوير القانون ؟ ولا يتسنى هذا التقييم إلا بالمعرفة التامة للحالة التي يكون عليها القانون وفقه القضاء. وهذا النوع من التقييم يعد صعبا  بالنسبة لطلبة المرحلة الأولى لأنه لا يتوقف على المعلومات فحسب بل يتوقف أيضا على الحدس والتجربة. ولهذا يقبل آلا يسهب المبتدئ في هذا النوع من التقييم.


3. العقبات التى يجب التحفظ منها

أ - السلخ

السلخ هى فخ كثيرا ما يسهل على الطالب الوقوع فيه ويتمثل السلخ في مجرد إعادة ما يرد به الحكم أما باستعمال نفس العبارات أو حتى باستعمال عبارات أخرى وهذا ليس من التعليق في شيئ . ويتمكن الطالب من تذليل هذه العقبة بالعمل المتواصل والمنتظم. وتجدر الإشارة هنا الى أن السلخ كثيرا ما يكون مرده الى التسرع ومحاولة التحرير قبل التفكير اللازم والمعمق.

ب. مجرد العرض النظري

يمكن التعليق على قرار الطالب من فرصة لإستعمال المعلومات النظرية التي حصلت له عند قراءته للدر س أو كتاب معين. ولكن لا يعني هذا أنه يسمح له بالإنتقال من هذا التمرين الى مقالة أو الى مجرد سرد لمعلوماته النظرية. يجب الا يتعلل الطالب بالمسألة المطروحة في الحكم للتعرض لكل ما حصل له من المعلومات في خصوص جزئ معبن من الدر س الذي تنتمي اليه هذه المسألة.

فالنقاش يكون إنطلاقا من القرار وحسب ماورد فيه. وعليه يجب تحديد المسائل المطروحة في الحكم بكل دقة حتى نتعرض اليها كلها ولا نتعرض الى سواها. وفي الإبتعاد عنها خروج عن الموضوع.

وحتى في خصوص المسائل الواردة في القرار يجب نبذ مجرد التحرير النظري وتلعب المهارة في العرض دورا كبيرا في هذا الصدد إذ يجب الا تبحث على التفكير في أنه وقع تناسي الحكم. ويكفي تكرار ربط الصلة مع هذا الأخير حتى نضفي على العمل المطلوب صبغة التعليق.


  • المراحل الواجب إتباعها

علينا أن نفرق بين أربعة عمليات : تحليل الحكم، البحث عن العناصر المكونة لمحتوى التعليق، هيكلة الفرض حسب تخطيط دقيق، وأخيرا التحرير.


1. تحليل الحكم

بعد قراءة أولى للحكم يكون الهدف منها الخروج بفكرة إجمالنية يتعين إستخراج العلومات التي يحتوي عليها الحكم وتبويبها تحت أربعة عنارين :

- وقائع القضية

- الإدعاءات والإجراءات المتبعة

- المسآلة المطروحة أمام المحكمة

- الحكم الصادر

سرد الوقائع والإجراءات يكون حسب التدرج الزمني تحليل النزاع بفترض تحديد الأطراف وموضوع الطلب أو الطلبات وأساسها. وعند مستويات الإجراءات وتسجل أدلة كل طرف من الأطراف كما تقع الإشارة إلى الأدلة التي إعتمدت عليها المحكمة.


2. البحث عن العناصر المكونة لمحتوى التعليق

المواد الأساسية التي يتكون منها التعليق تتأتى من التفكير في معنى الحكم ومن البحث عن عناصر تقدير قيمته.

يجب أن تتم كل العمليات السابقة (التحليل وتحديد معنى الحكم) قبل البحث عن العناصر التي تمكن من الحكم على القرار :إذ لا يمكن إدعاء الحكم مالم يقمع فهمه فهما تاما.

ويبقى الآن أن نتدرج الى نقد الحكم نقدا عمليا محايدا يكون له أو عليه وهذا الئقد يفتقر الى معلومات المعلق وإلى حد الآن كانت مادة التقدير مستمدة بصفة تكاد تكون مطلقة من نص الحكم نفسه ولكن يتعين الآن إيجاد عناصر النقاش ويعني ذلك الإتيان باشياء جديدة بالنسبة الى ماهو موجود في الحكم. وهذه العناصر تتعلق خاصة بالجائنب القانوني وهي مستمدة من الدرس والدروس المسيرة.

هذا البحث مهم جدا لأن النقاش القانوني هو روح التعليق. والنقد المطلوب يتسلط على طريقة إستدلال الحكام. وفي هذا الفرض هنالك ثلاث نقاط تعطينا محاور البحث:

- إختيار القاعدة القانونية

- تأويل هذه القاعدة

- تطبيقها على وقائع القضية

وكثيرا ما نتمكن بمجرد الإطلاع على نصوص قرارات محكمة التعقيب من توضيح حول مرمى هذه القرارات فمن المسلم به أن القرارات الصادرة بالرفض هي أقل قيمة من القرارات الصادرة بالنقض في خصوص مساهمتها في تطوير فقه القضاء. ولكن هذه القاعدة ليست مطلقة إذ أن رفض الطعن المؤسس على تأويل قاعدة قانونية يكون معناها موضوع إختلاف هو مثلا مفيد أكثر من النقض الذي يتسلط على حكم أى قرار أتى متناقض المستندات أو أغفل الرد على بعض المؤيدات... كما أن القرار الصادر برفض الطعن مع تعريض الأسباب (SUSNSTITUTION DES MOTIFS) هو على نفس قيمة القرار الصادر بالنقض ولعل هذا فان التفرقة بين قرارات الرفض وقرارات النقض لا يمكن أن تعطينا مباشرة سوى مجرد إرتسام تعززه أو تكذبه بعض عناصر التقدير الآخرى.

ويجب الوقوف مليئا عند الصيغ المستعملة. فإذا ما أكثرت المحكمة من التوضيحات المستمدة من ظروف القضية عند صياغة أهم نقطة في استدلالها يكون ذلك مؤتمرا على أنها قد تتجه الى تطبيق حل مماثل في القضايا التي تختلف بعض الإختلاف عن القضية التي وقع البت فيها.

وعلى خلاف ذلك فيكون لتأويل القاعدة القانونية مدى أوسع إذا ما وقع تقديم هذا التأويل في عزلة عن سياقه الواقعي.

وللتعبير عن هذه التفرقة تقابل عادة القرارات المبدئية Arrets de principe و كلقعم بالقرارات الظرفية Arrets d'espace ونجد في السوابق القضائية Precedents مصدرا آخر من مصادر والمعلومات. فإِذَا ما كنا على علم من الحلول التي سبق أن أتتث بها قرارات أخرى يتسنى لنا عندها أن نقارن بينها وبين القرار المعلق عليه بغية الوقوف على مدى مساهمته في تكوين فقه القضاء.

-إذا لم يأت بجديد بالنسية الى ما سبق تقريره فهو يقتصر إن على تاكيد تأويل للقانون يزداد رسوخه.

- إذا ما ذهب الى أبعد هن الحلول المعهودة فهو يتقدم بفقه القضاء ويطوره. إذا ما قضى أخيرا بخلاف ما كان مسلما به فهو يأتي بتغيير الإتجاه. ولذا يتعين على الطلبة أن يكونوا متحذرين إذا ما تبادر الى أذهائهم الوقوف على مثل هذا التغيير.

وعليهم أن يحاولو دائما التوفيق بين الحل الجديد والحلول السابقة وإلا يسلموا يتغيير إتجاه الا متى إستحال مثل هذا التوفيق.


3. هيكلة التعليق

أ. المقدمة

- نذكر في جمل أو جملتين الميدان القانوني الذي يتعلق به الحكم أى القرار. (الإشارة الى جزء الدرس الذي تعالج فيه المسألة القانونية التي يتعرض اليها الحكم) مثلا : هذا القرار يأتي بمساهمة مقيدة في الدفاع عن حقوق الشخصية... ويمكن أن نذكر الى جانب ذلك أن المسالة القانونية المطروحة هي هامة على الصعيد التطبيقي ولكن تجنب الحشو.

- سرد وقائع القضية وذكر مراحل الإجراءات .

- طرح المسألة القانونية

- الإعلان عن جزئي التخطيط


ب. التخطيط

يتوقف التخطيط علي القرار وعلى العناصر التي وجدت للمناقشة. ولا يوجد نموذج مسبق لهيكلة التعليق.

وإنما المهم هو أن يقع عرض الأفكار حسب ترتيب واضح يمكن القارئ من الفهم دون أي مجهود وعليه فيتعين جمع مختلف عناصر التعليق بكيفية تتسنى معها معالجة المسألة الواحدة برمتها في الموضع الواحد . إذ المراد من التخطيط هو الإبتعاد عن تداخل الأفكار التي يجب أن تعرض بوضوح وبتسلسل منطقي.

ويصعب إعطاء توجيهات دقيقة إذ تكون هنالك تخطيطات مختلفة بقدر ماتكون هنالك مواضيع مختلفة بل يحتمل التعليق على الحكم الواحد لأكثر من تخطيط يكون كل منها مقبولا . وعليه سنقتصر على بعض الإقتراحات فقط.

- لا تكون هنالك مشكلة إذا ما حسم الحكم عدة مسائل قانونية كما وقع تعريفها عند التعرض لمعنى الحكم. ففي هذه الحالة يخصص بجزء لكل مسالة.

ولكن إذا ما تكاثرت نقاط النقاش فيستحب أن يقم تجميعها حسب الإمكان حتى لا تقع المبالغة في عدد التقسيمات. ففي كل الحالات تقريبا يمكن التوصل عن طريق الإختزال الى موضوعين يتكون منها عناوين الأجزاء . ولا يتطلب التخطيط العام أي مجهود اذا تعرض الحكم فقط لمشكلتين أو ثلاثة تكون كل واحدة منها مستقلة عن الأخرى ولكن يبقى في هذه الحالة أن نبحث عن تقسيمات تحتية بالنسبة لكل جزء حتى لا يكون العرض غامضا.

- عندما لا يتعرض الحكم إلا لمسألة واحدة فترتب مادة التعليق حول جزئين يقسم كل جزء منها بدوره الى تقسيمات تحتية.