ترشيد القاصر في القانون التونسي | فريد بن جحا

قد يبدو الترشيد مجرّد تصرّف قانوني ينقل القاصر من صنف المحجور عليهم لصنف المتمتعين بأهلية الأداء. و قد يبدو للبعض الآخر مؤسسة قانونية متكاملة الأركان و في هذا الاتجاه يسير مؤلف هذا الكتاب الذي ينطلق من ملاحظة أن الترشيد يرتبط بسن الرّشد.

مصادر الترشيد، الترشيد القضائي، الترشد القانوني، آثار الترشيد، آثار الترشيد على الذمة المالية، آثار الترشيد على شخص القاصر

و لا يغيب في هذا المجال التذكير بموقف مجلة الالتزامات والعقود التي حددت عند صدورها سنة 1906 ذلك السنّ بتمام ال18 عاما بالنسبة للذكور؛ و لكن مشرع الاستقلال سعى لبسط حماية أشمل على القصّر فرفع في سن الرشد إلى 20 عاما كاملة و قطع مع التمييز بين الذكر و الأنثى.و في سنة 2010 عدل المشرع المذكور عن الخيار الأول و عاد من جديد لسن ال18 عاما كاملة دون تمييز بين الجنسين و أثر هذا الترفيع في مؤسسة الترشيد المدني و التجاري. و لعل كل هذه المعطيات هي التي دفعت بالباحث لتناول مكوّنات هذه المؤسسة و تفاصيلها.

يقوم التأليف على محورين واضحين الأول مخصص لـ مصادر الترشيد و الثاني يعتني بآثاره. فالترشيد يكون إما قضائيا أو قانونيا و تدعو الصورة الأولى لتحليل شروطه و إجراءاته فـالترشيد القضائي "Émancipation judiciaire" ممكن لكل قاصر ذكرا أو أنثى بلغ ال15 عاما و ثبت أن له القدرة على حسن التصرف و ممارسة الحقوق. و بناء على ذلك يصدر القاضي بحسب الحالة حكما بالترشيد المطلق أو بالترشيد المقيّد.

و كوّن هذا الحكم القضائي منطلقا لتحاليل ثرية في جوانبه الإجرائية وفي طبيعته القانونية و في أوجه الطعن فيه و هي مسائل تناولها الكاتب بدقة إعتمادا على النصوص التشريعية المتفرقة و على اجتهادات المحاكم و عملها وعلى آراء الشراح مركزا بالخصوص على اندثار الترشيد في المادة التجارية بعد تنقيح سنة 2010.

أما الترشيد القانوني "Émancipation légale" فهو ناتج عن زواج القاصر ويقرّه القانون لكل من يتزوج قبل بلوغ سن الرشد وبعد اكتمال سن ال17 من عمره؛ ذكرا كان أم أنثى والغاية منه تكمن في منح ذلك الشخص أهلية كاملة بعد أن ارتبط بمؤسسة الزواج؛ فيبتعد نهائيا وبدون رجعة عن ولاية وليه. ولم يغب عن المؤلف تحليل أبعاد مؤسسة الترشيد بالزواج وبسط أهدافها الاجتماعية وتثمين تحقيقها للمساواة بين المرأة و الرجل.

و خصص المؤلف المحور الثاني من الكتاب لـ آثار الترشيد فاختار أن يفصل دراسة الآثار المتعلقة بذمّة القاصر عن الآثار المتعلقة بشخصه. ومع ذلك تبقى التفرقة بين الترشيد المطلق والترشيد المقيد أساسية ومهيمنة على تنظيم آثار المؤسسة.

توخى الكاتب في هذا المؤلف مقاربة تحليلية نقدية أثرتها المقارنات مع التشاريع الأخرى وخاصة منها التشريع الفرنسي. وفي الكتاب دعوة لسدّ أهم الثغرات أو على الأقل لرفع الغموض عن عديد المسائل كتحديد الأشخاص المخوّل لهم المبادرة بتقديم إجراءات الترشيد أو تدقيق الهيئة القضائية المختصة للنّطق بالترشيد المطلق.

إن في الكتاب ما ينفع الناس عامة و أهل الذكر خاصّة؛ فهو مرجع ثمين لمن أراد الإطلاع على تفاصيل مؤسسة تتطوّر وتتغيّر وتتأثر بتحولات قانون الأشخاص و الالتزامات و العقود و الأحوال الشخصية. كل هذا يجعل من الكتاب مرجعا مفيدا للجميع.

د. محمد كمال شرف الدين