شرح المجلة التونسية للقانون الدولي الخاص | مبروك بنموسى




لقد عرف النظام القانوني التونسي منذ سنة 1987 حركة إصلاح وتجديد وتطوير واسعة بإعتبار القانون يمثل أهم أداة إصلاح في نظامنا السياسي الذي تأسس على دولة القانون والمؤسسات. 

وبعد إصدار مجلّة القانون الدولي الخاص "Code de droit international privè" من أهم الإصلاحات التشريعية التي أدخلت على النصوص والقواعد‎ ‏القانونية المنظمة لعلاقاتنا الدولية الخاصة التي كانت تشكو فراغا واضحا وتباينا صارخا بين واقع هذه العلاقات والنصوص التي تحكمها ولاسيما المتعلّقة بالأحوال الشخصيّة والأسرة والأبناء.


ولعل أبرز ما يميزٌ مجلّة القانون الدولي الخاص إنفتاحها على الحياة الدولية إذ تبنت أحدث النظريات الفقهية وشّرعت العديد من العلاقات والوضعيات ذات العنصر الأجنبي بكثير من الجرأة أحيانا لكن هذا الإنفتاح؛ وإن تعتدت مظاهره فقد كان إنفتاحا متبّصرا إستبعد كلّ ما من شأنه أن يضر بالمصالح الحيوية للدولة أو بالاختيارات الأساسية للبلاد.

وقد وفق السيد مبروك بنموسى مؤلف هذا الكتاب في إبراز هذه المعادلة الصعبة القائمة على الإنفتاح على  الحياة الدولية من ناحية؛ وحماية المصالح الوطنية ذات البعد الخارجي من ى؛ فقتم هذه المعادلة في إطار شرح واضح ودقيق لمختلف أحكام المجلّة؛ مدعم بالنصوص التشريعية والفققه وفقه القضاء الوطني والمقارن التي إستروحت منها المجلة أحكامها ليكون القارئ والقاضي على وجه الخصوص؛ على بينة مما هو سائد في معظم البلدان التي تربطنا بها علاقات ومصالح وليتمكّن من توخي الحلول الأكثر تلاؤما مع قواعد ومبادئ القانون الدولي المقارن التي تعد نقطة إلتقاء بين مختلف القوانين.

كما تعزّز هذا الشرح المتعّدد الأبعاد بالرجوع إلى الأعمال التحضيرية الخاصة بكل فصل مما أثرى هذا العمل الفقهي العميق وأعطاء نوعا من الخصوصيّة تسمع بالتنويه به وباللقاء على صاحبه لما بذله من جهد واضح في شرح أحكام المجلة. وجمع وتصنيف لمادة القانون المقارن والأعمال التحضيرية على تشعبها وما أظهره من خبرة وقدرة على حسن توظيفهما لخدمة أغراض الكتاب المتمثّلة في وضع أداة عمل ناجعة بين يدي القضاة والمحامين والطلبة والمطبقين ورجال القانون عامّة وفي إثراء المكتبة القانونّة بمؤلف فريد من نوعه يجد فيه المستعمل نص القاعدة القانونيّة وشرحها ونص ما يقابلها في العديد من التشاريع الأجنبية إلى جانب النظريات الفقهية التي تؤصلها وإجتهادات القضاء في كيفيّة وتدعم كلّ ذلك بخلاصة لما صاحب ميلاد القاعدة القانونية من الأعمال التحضيرية التي لا تخفى أهميّة دورها في الكشف عن إرادة المشرّع وفي فهم وإدراك روح النصّ ومضمونه.

ولا شك في أن هذا المؤلف يعد إضافة هامّة إلى عديد المبادرات الفقهيّة الأخرى في مجال القانون الدولي الخاص؛ وعسى أن يساهم الجميع بذلك فقهاء وقضاة ومحامون ومحكّمون في التعريف الموسع بالقواعد القانونية؛ خاصة المتشعبة منها إذ أن من دعائم دولة القانون نشر الثقافة القانونية لا بين المختصين فقط بل أيضا بين الكافة.

البشير التكاري
وزير العدل و حقوق الإنسان