إن "مجلة الأحوال الشخصية" "Code du statut personnel" تكتسي في تونس أهمية بالغة وطابعا متميزا إذ تجمع بن الأصالة والمعاصرة بين النقل والاضافة؛ وقد افرز تطبيقها تأثيرا مباشرا على شخصية المواطن رجلا كان أو إمرأة وعلى نمط حياته وتنظيم روابطه العائلية و قيمه الإجتماعية المادية منها و المعنوية و حتى العاطفية.
ورأيت في جمع ذلك التشريع وتقديمه بصفة مبوبة وواضحة مع إبراز معانيه وتطوراته على ضوء ما نشر في شأنه من تنقيحات ودراسات فقهية واجتهادا قضائية عظيم الفائدة وتسهيلا للمهمة؛ ليس بالنسية لدارس الحقوق ورجل القانون فقط وإنما بالنسبة لكل مواطن تونسي تعلقت همته بمعرفة حقوقه وواجباته داخل أسرته و تجاه ذويه.
بذلت قصارى جهدي حتى أجمع المراجع التشريعية والفقهية والقضائية الوطنية كافة؛ المنشورة بمختلف المجلات والمراجع القانونية. أملا في أن يغني هذا الكتاب من أراد الدرس و البحث و التمحيص عند التأليف أو عند التطبيق: عن الكثير من العناء وإضاعة الوقت. وحاوات أن يكون التقديم جليا والمحتوى بينا مع مراعاة التسلسل التاريخي عسى أن يقع الوقوف بثبات على ما أدخل على مجلة الأحوال الشخصية وملحقاتها من تحوير تشريعي ومن تطوير في الفهم والتأويل.
وكانت الطبعة الأولى من هذا الكتاب التي صدرت خلال عام 1987 تحت عنوان "قوانين الأحوال الشخصية والمدنية في تونس" تضم مجلة الأحوال الشخصية وملحقاتها ومجلة الحالة المدنية وملحقاتها. ولقد نفذت الثلاثة ألاف نسخة المستخرجة منها في وقت قياسي. ما شجعني على إصدار طبعة ثانية محينه ومحلاة بأحدث ما ظهر من الدراسات الفقهية والقرارات القضائية مع تحسين الاخراج و إثراء المحتوى غير أنه من الطبعة الثانية خيرت أن أكتفي مبدئيا بتقديم مجلة الأحوال الشخصية و ملحقاتها دون مجلة الحالة المدنية و ما يتبعها من تشريع و تراتيب سوف أخصص لها بحول الله طبعة مستقلة، مطورة و محينه.
و لقد زادت ضرورة إصدار الطبعة الثانية من تشريع الأحوال الشخصية إلحاحا ببروز تنقيح 12 جويلية 1993 الذي أدخل تحويرات جوهرية و بارزة على عدة جوانب من مجلة الأحوال الشخصية. هذه المجلة الرمز التي أصبحت من مميزات تونس الحديثة و نموذجا مفيدا لبقية بلاد العالم في حماية الطفولة و تحرير المرأة و دعم مع تحقيق التوازن المنشود بين مختلف المقتضيات و إيجاد التوفيق المحمود بين التراث و الموروث الذي نعتز به و الواقع المعيشي بما يتضمنه من مستجدات و ضرورة حياتية ملحة التي لا بد لنا أن نواجهها.
و لقد دعت الحاجة مجددا بمجرد إستنفاذ الطبعة الثانية، إلى تحيين المراجع الفقهية و القانونية و إضافة بعض التعليقات و الإثراءات و هو ما يتجسم في الطبعة الثالثة من مجلة الأحوال الشخصية المعلق عليها التي صدرت سنة 1997.
و اليوم دعت الحاجة إلى إصدار طبعة خامسة تكفل التحيين المطلوب للمراجع التشريعية و الفقهية و القضائية خاصة بعد صدور عدد من القوانين الجديدة في السنوات الأخيرة تتصل بجوهر مسائل الأحوال الشخصية مثل قانون الإسم و اللقب للأطفال المهملين و مجهولي النسب و قانون نظام الإشتراك في الأملاك بين الزوجين و مجلة القانون الدولي الخاص.
و نأمل دائما أن ينال خذا العمل التوثيقي و التحليلي رضاء من يحتاج الرجوع إليه و الإعتماد على معطياته.
و الله نسأل التوفيق و أن تتحقق الفائدة المرجوة، و السلام .
سوسة في 6 أفريل 2004
القاضي د. محمد الحبيب الشريف