قد تكون مررت يوماً من أمام محكمة، أو دخلت يوماً إلى قاعة من قاعات المحكمة..
ماذا عساك أن ترى؟ طبيعي أن تشاهد مجموعة من المحامين يرتدون الروب، أو يمسكون بها إستعداداً لارتدائها.. لاعجب أيضاً إن شاهدت مجموعة من المواطنين بنظرات تائهة يبحثون عن العدالة هنا وهناك..
هل شاهدت من يمسك بملفات وهو ليس بمحامي ولا بمتقاضي ؟؟ انهم الكتبة، كتبة المحامين، أو بالأحرى جنود الخفاء في الجلسات وأروقة المحاكم.
منذ المرات الأولى التي دخلت فيها إلى قاعات المحاكم، كنت أعجب من كثرة مهام و "أعمال" الكتبة. ففي قاعات الجلسة، تجدهم مباشرةً وراء المقعد الخاص بالمحامين، اذانهم صاغية تنتظر المناداة على القضية التي جاؤوا من أجلها. هم من مختلف الأعمار، فتجد الشاب أو الشابة، وتجد الكهل الذي إقترب من الشيخوخة.
فلنفترض أن كاتباً وقعت المناداة على قضية ملفها بين يديه، ولكنه لا يستطيع حتى قول كلمة "حاضر" قانوناً. الحل الوحيد أمامه هو أن يطلب بكل لطف و إحترام من أحد المحامين أن ينوب زميله المسؤول عن قضية الحال والمتغيب عن الجلسة لسبب من الأسباب.
هذه العملية تتكرر مراراً وتكراراً في الجلسة الواحدة. والجملة الشهيرة "حاضر بالنيابة سيدي الرئيس" أصبحت المبدأ وليس الاستثناء.
لقد أصبح بين الكتبة والمحامين في قاعات الجلسة رابطة وطريقة فريدة في التعامل يسودها الاحترام. فالمحامي الذي يطلب منه الكاتب أو الكاتبة التدخل "لانقاذ الموقف" هو في حقيقة الأمر يطبق مبدأ الأخوة والتعاون بين المحامين، وهو المعروف بواجب الزمالة.
تجدر الملاحظة أيضاً بأن أعمال الكتبة ليست منحصرة فقط في قاعات الجلسة. ففي أغلب الأحيان تجد الكاتب، وبمجرد أن تتم المناداة على جميع القضايا التي جاء من أجلها، متوجهاً بخطى حثيثة نحو خارج القاعة لإنهاء ما تيسر من بقية الأعمال. على سبيل الذكر لا الحصر، تصوير الملفات، تعيين الجلسات ونشر القضايا لدى كتابة الدوائر المعنية.
انهم بحق جنود الخفاء داخل أسوار المحاكم. حيث يستحيل تخيل عمل مرفق القضاء بدونهم ..
فتحية إلى كتبة المحامين، الذين لم تكل أياديهم من ثقل الملفات، ولم تشتكي سيقانهم من كثرة المشي والصعود والنزول.